نتنياهو والليكود- الحرب على إيران لم تُحسن الاستطلاعات بما يكفي ar-BH

المؤلف: منصور براتي08.23.2025
نتنياهو والليكود- الحرب على إيران لم تُحسن الاستطلاعات بما يكفي ar-BH

بعد انقضاء شهر على الضربة الإسرائيلية التي استهدفت إيران في الثالث عشر من يونيو/حزيران عام 2025، يظل بنيامين نتنياهو وحزب الليكود يواجهان صعوبات جمة في الحصول على أغلبية برلمانية في استطلاعات الرأي الموثوقة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مستقبلهم السياسي.

على الرغم من أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران عام 2025 لا يعني بالضرورة نهاية الحرب بين البلدين، إلا أن هذه الحرب، على ما يبدو، لم تسهم في تعزيز شعبية بنيامين نتنياهو وحزب الليكود الحاكم بالقدر المأمول، ليبقى وضعهما السياسي على المحك.

حتى قبل اندلاع الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا، كانت نتائج حزب الليكود في استطلاعات الرأي الموثوقة، مثل استطلاعات قناتي 11 و12، وصحيفة معاريف، وبدرجة أقل صحيفة يسرائيل هيوم وقناة 13 الإسرائيلية، تتراوح ما بين واحد وعشرين وثلاثة وعشرين مقعدًا، وهو ما يعكس تحديًا كبيرًا يواجهه الحزب.

وعلى الرغم من أن الحزب، في حالة غياب نفتالي بينيت، كان يُصنَّف كأكبر حزب، فإن إجمالي عدد مقاعد الائتلاف الحاكم الحالي، الذي يتكون من الليكود وأحزاب اليمين المتطرف وحزبي شاس ويهدوت هتوراه الدينيين، كان يتأرجح ما بين ثمانية وأربعين وواحد وخمسين مقعدًا، أي بفارق يقارب العشرة مقاعد عن الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة ائتلافية مستقرة.

واليوم، وبعد مرور شهر تقريبًا على بداية الحرب، تشير تلك الاستطلاعات إلى تحولات لا تزال محدودة التأثير. ويمكن تلخيص هذه التحولات على النحو الآتي:

  • تمكن حزب الليكود من زيادة حصته في الاستطلاعات الموثوقة بمقدار أربعة مقاعد، إذ تتراوح نتائجه الآن ما بين ستة وعشرين وسبعة وعشرين مقعدًا، وهو ما يمثل تحسنًا طفيفًا.
  • نتيجة لذلك، استطاع حزب الليكود أن يتجاوز الحزب الجديد الذي أسسه نفتالي بينيت، والذي يحمل الاسم المؤقت "بينيت 2026"، ليتربع على عرش قائمة الأحزاب الأكثر شعبية.
  • على صعيد التحالفات، لا تزال أحزاب الائتلاف الحاكم تتذبذب ما بين ثمانية وأربعين وواحد وخمسين مقعدًا، دون تسجيل أي تحسن يُذكر لصالح نتنياهو في هذا الشأن، مما يثير القلق بشأن قدرة الائتلاف على الاستمرار.
  • في ظل هذه المعطيات، يُعزى أكثر من ستين بالمائة من ارتفاع رصيد الليكود إلى تراجع حزب "العظمة اليهودية" اليميني المتطرف بقيادة إيتمار بن غفير، وتزايد احتمالية تراجع حزب "الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الحالي، عن نسبة الحسم البالغة 3.25٪، وهو ما يشير إلى تحولات في الخريطة السياسية.

سنتطرق في هذا المقال إلى الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع المعقد. ويبدو أن العوامل الرئيسية تتمحور حول ثلاثة جوانب أساسية:

  • الأهمية البالغة والخطورة الكبيرة لفشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي هز أركان الدولة.
  • الدور الذي لعبه نتنياهو والائتلاف الحاكم في هذا الفشل، وعدم تحقيق الأهداف الطموحة التي تم الإعلان عنها للحرب التي استمرت اثني عشر يومًا، وهو ما أثر على ثقة الجمهور.
  • وأخيرًا، النمو المفرط والمؤقت للتيار اليميني المتطرف، الذي وصل إلى ذروته ثم بدأ في التراجع.

7 أكتوبر/ تشرين الأول وحرب الـ12 يومًا

كان لفشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تأثير بالغ وعميق على مكانة نتنياهو والليكود، يفوق أي عامل آخر. هذا الفشل تجسد في المجالين الأمني والعسكري، حيث عجزت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية القوية، مثل الشاباك والاستخبارات العسكرية، عن التنبؤ بعمليات الفصائل الفلسطينية والتحذير منها بشكل يمكن من تعبئة القوات واتخاذ إجراءات استباقية فعالة.

تمثل البعد الثاني لهذا الفشل في عجز إسرائيل عن منع تقدم العمليات العسكرية التي نفذتها حماس في الساعات الأولى من الهجوم، مما أدى إلى توغل القوات الفلسطينية في المدن الواقعة بالقرب من حدود غزة، ومقتل ما يقرب من ألف ومائتي إسرائيلي، وهو ما شكل صدمة كبيرة للمجتمع الإسرائيلي.

يمكن مقارنة هذا الحدث الجلل في تاريخ إسرائيل بحرب "يوم الغفران"، التي شنت فيها مصر وسوريا هجمات مفاجئة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، مما أسفر عن انسحاب الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الأول من الحرب، بعد ست سنوات فقط من انتصاره الساحق في حرب الأيام الستة عام 1967، لتنتهي بذلك حالة الثقة المطلقة بتفوق إسرائيل في الحروب.

أدى هذا الفشل الذريع إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق برئاسة شيمون أغرانات، رئيس المحكمة العليا آنذاك، للتحقيق في مسؤوليات السياسيين والعسكريين والأمنيين المتورطين في هذا الإخفاق.

كانت صدمة المفاجأة في حرب يوم الغفران كبيرة لدرجة أن غولدا مائير، رئيسة الوزراء آنذاك، اضطرت إلى الاعتزال السياسي عام 1974، على الرغم من تبرئتها من المسؤولية المباشرة.

أما في حالة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فلم يبد نتنياهو أي شعور بالمسؤولية، بل ألقى باللوم على جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية، معتبرًا نفسه غير مسؤول عن الإخفاق. بل إنه ذهب إلى تشبيه هذا الحدث المأساوي بالهجوم الياباني على بيرل هاربر، متسائلًا: "هل اعتُبر فرانكلين روزفلت مسؤولًا عن الهجوم الياباني؟".

وقد رفض نتنياهو، حتى لحظة كتابة هذا المقال، تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق حول الفشل الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بل قاطع مع وزير العدل ياريف ليفين مراسم تنصيب رئيس المحكمة العليا الجديد إسحاق عاميت، ذي التوجهات الليبرالية، لشكهما في أنه يعتزم تشكيل تلك اللجنة.

سعى نتنياهو، من خلال لجان تحقيق داخلية ضمن الجيش والشاباك والموساد، إلى حصر الفشل في المستويين الأمني والعسكري، وتقليل الضغوط المجتمعية المطالبة بتشكيل لجنة مستقلة ومحايدة.

كما حاول خلال الاثني والعشرين شهرًا التي تلت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أن يغطي على هذا الفشل من خلال تحقيق إنجازات عسكرية وأمنية في غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران، إلا أن فشله في السابع من أكتوبر/تشرين الأول لا يزال يُعدّ القضية الأكبر والأكثر إلحاحًا في إسرائيل، ولم تتمكن حرب الاثني عشر يومًا مع إيران من تجاوزه أو التخفيف من حدته.

عدم تحقق كامل للأهداف المعلنة لحرب الـ12 يومًا

حققت إسرائيل بعض النجاحات الملموسة في الحرب الأخيرة على إيران، مثل إضعاف القدرات النووية الإيرانية، والقدرات الصاروخية، وترسيخ التفوق الجوي، مما قد يساهم في تغيير معادلة الردع لصالح إسرائيل.

لكن الأهداف الطموحة التي تم الإعلان عنها، مثل "تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل"، و"شل القدرات الصاروخية"، و"تغيير هيكل النظام الإيراني"، لم تتحقق بالكامل على أرض الواقع.

كما أن وقف إطلاق النار أتاح لكلا الطرفين فرصة لإعادة التسلح وتجديد القدرات، وهو ما يُمكّن إيران من تحسين وضعها مرة أخرى. لذا، فإن عدم تحقيق تلك الأهداف يُعدّ أحد الأسباب الرئيسية التي حالت دون تحسين مكانة نتنياهو في استطلاعات الرأي.

التضخم المفرط في حجم اليمين المتطرف بعد 2019

العامل الثالث الذي يجب أخذه في الاعتبار هو الوضع غير الاعتيادي لليمين المتطرف في السنوات الأخيرة. فبعد تجربة حزب "كاخ" بقيادة مائير كاهانا، الذي فاز بمقعد واحد في عام 1984 وتم حظره في عام 1988 بسبب تبنيه أفكارًا عنصرية، تراجعت أحزاب اليمين المتطرف واختفت فعليًا من المشهد السياسي.

وازدادت عزلة هذا التيار بعد اغتيال إسحق رابين في عام 1995، مما دفع برموزه إلى الاندماج في أحزاب أكثر اعتدالًا في ظاهرها، تُعرّف نفسها بأنها "وطنية دينية" أو "يمين قومي".

لكن الأزمة الانتخابية التي بدأت في عام 2019 واستمرت حتى نهاية عام 2022، والتي شهدت إجراء خمسة انتخابات متتالية، أعادت هذه الأحزاب المتطرفة إلى الواجهة مجددًا.

على سبيل المثال، حصل "اتحاد الأحزاب اليمينية" في انتخابات أبريل/نيسان 2019 على 5.7٪ من الأصوات (أي سبعة مقاعد). وفي انتخابات سبتمبر/أيلول 2019، لم يتمكن حزب "العظمة اليهودية" بقيادة بن غفير من تجاوز نسبة الحسم، مما أدى إلى إهدار ما يقرب من ثلاثة وثمانين ألف صوت.

وفي انتخابات مارس/آذار 2020، تراجعت قوة هذه الأحزاب لصالح الليكود، أما انتخابات مارس/آذار 2021 فقد شهدت عودة قوية، حيث حصل حزب "يمينا" على سبعة مقاعد، وحصل حزب "الصهيونية الدينية" على ستة مقاعد.

لكن ذروة النجاح جاءت في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حيث حصد اليمين المتطرف أربعة عشر مقعدًا، من بينها سبعة مقاعد لسموتريتش، وستة مقاعد لبن غفير، ومقعد واحد لحزب نوعام بقيادة آفي ماعوز، بعد أن تجاوزت الكتلة حاجز نصف مليون صوت (أي ما يقرب من 11٪).

تُعزى هذه النتيجة اللافتة إلى ثلاثة عوامل رئيسية

  1. تكرار الانتخابات أدى إلى إحجام جزء كبير من الناخبين عن دعم الأحزاب الكبرى والتوجه نحو الأحزاب الهامشية.
  2. وجود اليمين المتطرف في المعارضة خلال عام ونصف قبل انتخابات عام 2022، وهو ما أفاد هذه الأحزاب ومنحها زخمًا إضافيًا.
  3. ضعف التنسيق بين الأحزاب المعارضة لنتنياهو، حيث لم يتحالف حزب العمل مع اليسار، وفشل حزب "ميرتس" في تجاوز نسبة الحسم بفارق أربعة آلاف صوت فقط، وكذلك حزب "بلد" بفارق ستة عشر ألف صوت.
  4. لذا، فإن نجاح اليمين المتطرف في عام 2022 لم يكن بالضرورة نتيجة لزيادة حجم قاعدته الشعبية، بل جاء نتيجة لضعف خصومه والظروف السياسية التي كانت مواتية له. ومع تغير المزاج العام، بدأ بعض ناخبي هذا التيار في العودة إلى حزب الليكود، خاصة في ظل غياب تحالف موحد بينهم.

في ظل هذه الظروف والتطورات المتلاحقة، يبدو أن ارتفاع نسبة تأييد الليكود في الاستطلاعات بعد حرب إيران جاء على حساب تراجع شعبية اليمين المتطرف. بمعنى آخر، يمكن القول إن الليكود قد استفاد بشكل مؤقت من "التهام حلفائه". إلا أن هذا المكسب يبدو هشًا وقابلاً للزوال، إذ إن الهزائم المتتالية التي مُني بها نتنياهو، وعلى رأسها الفشل الذريع في السابع من أكتوبر، ستظل تطارده سياسيًا وشعبيًا، وقد تنهي مستقبله السياسي مع اشتداد المنافسة وتصاعد البدائل من داخل معسكر اليمين ذاته. ومن المنتظر أن يكون لتحركات غادي آيزنكوت، القائد السابق للجيش، تأثير كبير على المشهد السياسي، خاصة بعد خروجه من تحالف "المعسكر الوطني" بقيادة بيني غانتس، واحتمالية تحالفه مع نفتالي بينيت.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة